الباب الثالث طريقة الاستدلال العلمي



الباب الثالث طريقة الاستدلال العلمي

إن قضية العصر الحاضر ضد الدين هي قضية طريقة الاستدلال ، أعنى الطريقة الجديدة التي كشفها العلم الحديث بعد التطورات في ميادينه العديدة ، بحيث لم تعد تقف أمامها دعوى الدين وعقائده. هذه الطريقة الجديدة هي معرفة الحقيقة بالتجربة والمشاهدة على حين تتصل عقائد الدين بعالم ما وراء حواسنا ولا يمكن إخضاعها للتجربة ، (فالدين له مبنى على قياس واستقراء)(30) ، وهذا هو ما يجعله باطلا لأنه ليس له أساس علمي.

وقضية العصر الحاضر باطلة لأنها لا تقوم على أسس علمية ، فالطريقة الجديدة لا تنفى وجود أشياء لم تجرب مباشرة كما لا تنفي قياس أشياء لم نشاهدها على أشياء شاهدناها تجريبيا وهو ما يسمى (قياسا علميا) ، ويعتبر كالتجربة المباشرة فالتجربة لا تعد حقيقة علمية لمجرد أنها شوهدت ، كما أن القياس ليس باطلا لمجرد أنه قياس ، فإن كان الصحة والبطلان موجود فيهما على السواء.
كان الناس في القديم يصنعون السفن الشراعية من الخشب اعتقادا منهم أن الماء لا يحمل إلا ما يكون أخف منه وزنا ، وحين قال بعضهم: إن السفن الحديدية سوف تطفو على سطح الماء كالتي من الخشب ، أنكر الناس عليه مقالته واتخذوه هزوا ، وجاء نحاس فألقى بنعل من حديد في دلو مملوء بالماء ليشهد الناس على أن هذه القطعة الحديدية -بدل أن تطفو على سطح الماء-استقرت في القاع ، كان هذا العمل تجربة ، ولكننا جميعا نعتقد اليوم أنها كانت تجربة باطلة فلو كان النحاس قد ألقى بطبق من حديد وشاهد بعينه صدق ما قيل من طفو السفن الحديدية.
في بداية القرن العشرين كنا كذلك نملك تلسكوبا ضعيفا ، فلما شاهدنا السماء بهذا النظار وجدنا أجراما كثيرة كالنور فاستنبطنا أنها سحب من البخار والغاز تمر بمرحلة قبل أن تصير نجوما ، ولكنا حين تمكنا من صناعة منظار قوى وشاهدنا هذه الأجرام مرة ثانية ، علمنا أن هذه الأجرام الكثيرة المضيئة هي مجموعة من نجوم كثيرة شوهدت كالسحب نتيجة البعد الهائل بينها وبين الأرض.
وهكذا نجد أن التجربة والمشاهدة ليستا وسيلتي العلم القطعيتين ، وأن العلم لا ينحصر في الأمور التي شوهدت بالتجربة المباشرة. لقد اخترعنا الكثير من الآلات والوسائل الحديثة للملاحظة الواسعة النطاق ، ولكن الأشياء التي نلاحظها بهذه الوسائل كثيرا ما تكون أمورا سطحية وغير مهمة نسبيا ، أما النظريات التي يتوصل إليها بناء على هذه المشاهدات فهي أمور لا سبيل إلى ملاحظتها ، والذي يطالع العلم الحديث يجد أن أكثر آرائه (تفسير للملاحظات) وأن هذه الآراء لم تجرب مباشرة ، ذلك أن بعض الملاحظات يحمل العلماء على الإيمان بوجود بعض الحقائق غير مشاهدة قطعيا ، فأي عالم من علماء عصرنا لا يستطيع أن يخطو خطوة دون الاعتماد على ألفاظ مثل: (القوة) Force ، و(الطاقة) Energy ، و(الطبيعة) Nature ، و(قانون الطبيعة)Law of Nature ، وما إلى ذلك. ولكن هذا العالم لا يدرى ما (القوة والطاقة والطبيعة وقانونها)؟ فهو قد صاغ كلمات تعبر عن وقائع معلومة ، لكي يبين عن علل غير معلومة ، وهذا العالم لا يقدر على تفسير هذه الألفاظ تماما كرجل الدين ن لا يستطيع تفسير صفات الإله ، وكلاهما يؤمن-بدوره-بعلل غير معلومة.
* * *
يقول الدكتور ( الكسيس كيرل):
(إن الكون الرياضي شبكة عجيبة من القياسات والفروض لا تشتمل على شيء غير (معادلة الرموز) ؛ الرموز التي تحتوى على مجردات لا سبيل إلى تفسيرها)(31).
والعلم الحديث لا يدعى ولا يستطيع أن يدعى أن الحقيقة محصورة فيما علمناه من التجربة المباشرة ، فالحقيقة أن (الماء سائل). ونستطيع مشاهدة هذه الحقيقة بأعيننا المجردة ، ولكن الواقع أن كل (جزيء) من الماء يشتمل على ذرتين من الهيدروجين وذرة من الأكسجين وليس من الممكن أن نلاحظ هذه الحقيقة العلمية ، ولو أتينا بأقوى ميكروسكوب في العالم ، غير أنها ثبتت لدى العلماء لإيمانهم بالاستدلال المنطقي.
* * *
ويقول البروفيسور ا. ى. ماندير:
(إن الحقائق التي نتعرفها مباشرة تسمى (الحقائق المحسوسةPercieved Facto) ، بيد أن الحقائق التي توصلنا إلى معرفتها لا تنحصر في (الحقائق المحسوسة) ؛ فهناك حقائق أخرى كثيرة لم نتعرف عليها مباشرة ولكننا عثرنا عليها على كل حال ، ووسيلتنا في هذه السبيل هي الاستنباط فهذا النوع من الحقائق هو ما نسميه (بالحقائق المستنبطةInferred Facto)والأهم هنا أن نفهم أنه لا فرق بين الحقيقتين وإنما الفرق هو في التسمية ، من حيث تعرفنا على الأولى مباشرة وعلى الثانية بالواسطة ، والحقيقة دائما هي الحقيقة سواء عرفناها بالملاحظة أو بالاستنباط)(32).
ويضيف ماندير قائلا:
(إن حقائق الكون لا تدرك الحواس منها غير القليل فكيف يمكن أن نعرف شيئا عن الكثير الآخر؟ . .هناك وسيلة وهى الاستنباط أو التعليل. وكلاهما طريق فكرى ، نبتدئ به بوساطة حقائق معلومة حتى ننتهي بنظرية: أن الشيء الفلانى يوجد هنا ولم نشاهده مطلقا)(33).
وهنا نتساءل: كيف يصح الاستنباط المنطقي لأشياء لم نشاهدها قط؟ وكيف يمكن أن نسمى هذا الاستنباط بناء على طلب العقل: حقيقة علمية؟ ويجب ماندير بنفسه عن هذا السؤال:
(إن المنهج التعليلي صحيح لأن (الكون) نفسه عقلي).
فالكون كله مرتبط بعضه بالآخر ؛ حقائقه المتطابقة ، ونظامه عجيب ، ولهذا فإن أية دراسة للكون لا تسفر عن ترابط حقائقه وتوازنها-هي دراسة باطلة. ويقول ماندير في هذا الصدد:
(إن الوقائع المحسوسة هي أجزاء من حقائق الكون غير أن هذه الحقائق التي ندركها بالحواس قد تكون جزئية ، وغير مرتبطة بالأخرى. فلو طالعناها فذة مجردة عن أخواتها فقدت معناها مطلقا. فأما إذا درسناها في ضوء الحقائق الكثيرة مما علمناه مباشرة أو بلا مباشرة فإننا سندرك حقيقتها).
ثم يأتى بمثال سليم يفسر ذلك فيقول:
(إننا نرى أن الطير عندما يموت يقع على الأرض ، ونعرف أن رفع الحجر على الظهر أصعب ويتطلب جهدا ونلاحظ أن القمر يدور في الفلك ، ونعلم أن الصعود في الجبل أشق من النزول منه. ونلاحظ حقائق كثيرة كل يوم لا علاقة لإحداها بالأخرى ظاهرا ، ثم نتعرف على حقيقة استنباطية-هي (قانون الجاذبية) وهنا ترتبط جميع هذه الحقائق فنعرف للمرة الأولى أنها كلها مرتبطة إحداها بالأخرى ارتباطا كاملا داخل النظام. وكذلك الحال لو طالعنا الوقائع المحسوسة مجردة ، فلن نجد بينها أي ترتيب ، فهي متفرقة وغير مترابطة ولكن حين نربط الوقائع المحسوسة بالحقائق الاستنباطية فستخرج صورة منظمة للحقائق)(34).
* * *
إن قانون (الجاذبية) لا يمكن ملاحظته قطعا ، وكل ما شاهده العلماء لا يمثل في ذاته قانون الجاذبية وإنما هي أشياء أخرى ، اضطروا لأجلها-منطقيا- أن يؤمنوا بوجود هذا القانون.
واليوم يلقى هذا القانون قبولا علميا عظيما ، وهو الذي كشف عنه نيوتن لأول مرة ، ولكن . . ما حقيقة هذا القانون من الناحية التجريبية؟ . . ها هو ذا نيوتن يتحدث في خطاب أرسله إلى (بنتلى) فيقول:
(إنه لأمر غير مفهوم أن نجد مادة لا حياة فيها ولا إحساس وهى تؤثر على مادة أخرى مع أنه لا توجد أية علاقة بينهما)(35)
* * *
فنظرية معقدة غير مفهومة ولا طريق إلى مشاهدتها ، تعتبر اليوم بلا جدال حقيقة علمية! ! ! لماذا؟ . . لأنها تفسر بعض ملاحظاتنا فليس بلازم إذن أن تكون الحقيقة هي ما علمناه مباشرة بالتجربة ، ومن ثم نمضى إلى القول بأن العقيدة الغيبية التي تربط بعض ما نلاحظه ، وتفسر لنا مضمونه العام-تعتبر حقيقة علمية من نفس الدرجة! . .
* * *
يقول البروفيسور ماندير:
(القول بأننا عرفنا الحقيقة يعنى: أننا عرفنا معناها ، وبعبارة أخرى: أننا بحثنا عن وجود شيء وعن أحواله ففسرناها ، وأكثر عقائدنا تدخل في هذا النطاق فهي في الحقيقة: (تفسيرات للملاحظة).
ويستطرد ماندير فيتكلم عن (الحقائق الملحوظة):
(عندما نذكر (ملاحظة) فإننا نقصد شيئا أكثر من المشاهدة الحسية المحضة فمعناها: (الملاحظة الحسية) و (التعرف) بما يشمل جانب التفسير)(36).
نظرية التطور العضوي:
هذه هي القاعدة العلمية التي على أساسها وافق العلماء على حقيقة نظرية (التطور العضوي) كما قال ماندير: (لقد ثبت صدق هذه النظرية ، حتى إننا نستطيع أن نعتبرها أقرب شيء إلى الحقيقة)(37).
ويقول سمبسن في هذا الصدد:
(إن نظرية النشوء والارتقاء حقيقة ثابتة أخيرا وكليا وليست بقياس أو (فرض بديل) صيغ للبحث العلمي)(38).
ويعتقد محرر دائرة المعارف البريطانية (1958):أن نظرية الارتقاء في الحيوانات (حقيقة) وأن هذه النظرية قد حظيت بموافقة عامة بين العلماء والمثقفين بعد داروين.
وقال ر. س لل:
(ظلت نظرية الارتقاء تحصل على تأييد متزايد يوما بعد يوم بعد داروين ، حتى إنه لم يبق شك لدى المفكرين والعلماء في أن هذه هي الوسيلة المنطقية الوحيدة التي تستطيع أن تفسر عملية الخلق وتشرحها).(39)
* * *
هذه النظرية التي أجمع العلماء على صحتها هل لاحظها أحدهم أو جربها في معمله؟ . .والجواب: لا! فذلك ضرب من المستحيل ، إن مزعومة الارتقاء معقدة وهى تتعلق بماض بعيد جدا حتى إنه لا سؤال عن تجربتها وملاحظتها. وهى على ما أكده (لل) في كلمته السابقة (وسيلة منطقية) لتفسير مظاهر الخلق وليست بملاحظة واقعية. وأرى أن هذا هو السبب الذي دفع (السير آرثر كيث)-الذي يعتبر محاميا متحمسا لنظرية الارتقاء- أن يسلم بأن هذه النظرية ليست بملاحظة أو تجربة وإنما هي مجرد عقيدة. ومن كلماته:
(إن نظرية الارتقاء (عقيدة أساسية) في المذهب العقلي)(40).
وعرف أحد المعاجم العلمية نظرية داروين بأنها نظرية قائمة على تفسير بلا برهان)(41).
* * *
فما الذي يجعل شيئا غير ملاحظ وغير قابل للتجربة (حقيقة علمية)؟ يذكر (ماندير) أسباب ذلك فيقول:
1-هذه النظرية توافق جميع الحقائق المعلومة.
2-في هذه النظرية تفسير لكثير من الوقائع لا يمكن فهمها إلا من طريقها.
3-ولم تظهر بعد نظرية تناسب وتوافق الحقائق بهذه الدقة(42).
فإذا كانت هذه الأدلة كافية لتصبح نظرية الارتقاء حقيقة علمية فهي كذلك موجودة في جانب الدين على وجه أتم وأكمل. والقول بصدق نظرية الارتقاء وإبطال الدين في نظر الذهن العلمي لا يعنى مطلقا أن قضية المعارضين هي قضية الاستدلال العلمي وإنما هذه القضية تتعلق (بالنتيجة) فلو أثبت نفس الاستدلال أمرا (طبيعيا محضا) فسيقبله المعارضون وسيرفضونه لو أثبت أمرا إلهيا-لأنه غير مرغوب فيه عندهم.
* * *
مشكلة تعيين حقائق الأمور:
وبهذا لا ينبغي القول بأن الدين هو (الإيمان بالغيب) وبأن العلم هو الإيمان (بالملاحظة العلمية) ، فالدين والعلم كلاهما يعتمد على الإيمان بالغيب ، غير أن دائرة الدين الحقيقية هي دائرة (تعيين حقائق الأمور) نهائيا أو أصليا ، أما العلم فيقتصر بحثه على المظاهر الأولية والخارجية ، فحين يدخل العلم ميدان تعيين حقائق الأمور تعيينا حقيقيا ونهائيا-وهو ميدان الدين الحقيقي- فإنه يتبع نفس طريق الإيمان بالغيب الذي يهتم به الدين. ولابد من هذا السلوك في (الميدان الثاني) كما قال سير آرثر ادنجتن: (إن عالمنا في العصر الحاضر يعمل على منضدتين في وقت واحد ، إحداهما: المنضدة العامة التي يستعملها الرجل العادي ، التي يمكن لمسها ورؤيتها ، وأما الأخرى: فهي (المنضدة العلمية) وأكثرها في الفضاء وتجرى فيها إلكترونات لا حصر لها ولا تشاهد) ، ويستطرد سير آرثر أدنجتن قائلا: (وهكذا نجد لكل شيء صورة ذات وجهين ، أحدهما: (ملحوظ) ، والآخر: (صورة فكرية) لا سبيل إلى مشاهدتها بأي ميكروسكوب أو تلسكوب)(43)
أما الوجه الأول فيشاهده العلم ويشاهده لمدى بعيد جدا ولكنه لا يستطيع أن يدعى أنه يشاهد الوجه الآخر. وطريقة العلم الحديث أنه يقدم رأيا عن شيء بعد مشاهدة مظاهره. وأما (الميدان الثاني) فهو ميدان معرفة حقائق الأشياء وتعيينها ، و (العلم) في هذا الميدان البحث عن حقائق غير معلومة بوساطة حقائق معلومة.
وعندما يجتمع لدى عالم من العلماء قدر مناسب من (الحقائق الملحوظة) فإنه يحس بضرورة وضع نظرية أو فرض علمي. وبعبارة أدق: ضرورة فكرة اعتقادية ووجدانية ، تقوم بتفسير الملاحظات وربط بعضها ببعض فإذا نجحت هذه الفكرة الاعتقادية في تفسير الحقائق تفسيرا كاملا عدت حقيقة علمية رغم أنها لم تلاحظ قط كما لوحظت الحقائق الأخرى التي نعرفها بالمشاهدة أو بالملاحظة العلمية.
ومعنى ذلك أن العالم يؤمن بوجود شيء غائب بمجرد ظهور نتائجه وآثاره ، فكل حقيقة نؤمن بها تكون دائما (فرضا) في أول أمرها إلى أن نكشف حقائق جديدة تدعم صدقها فنزداد يقينا بها. حتى نبلغ اليقين: وإذا لم تؤيدها الملاحظات اللاحقة تخلينا عنها. ومن أمثلة هذه (الحقائق): حقيقة (الذرة) التي لا سبيل إلى إنكارها برغم أنها لم تشاهد قط بالمعنى المعروف ، ولكنها تعتبر أكبر حقيقة علمية كشفت في هذا العصر. وهذا هو السبب الذي دفع أحد العلماء أن يعرف (النظريات) العلمية بالألفاظ التالية:
(Theories are Mental Pictures, That Explain Known Laws)
(النظريات صور ذهنية تفسر القوانين المعلومة).
* * *
حقيقة النظريات العلمية:
وإن الحقائق التي تعرف في العلم باسم (الحقائق الملحوظة) ليست بحقائق شوهدت فعلا وإنما هي تفسيرات لبعض المشاهدات ، لأن المشاهدة الإنسانية لايمكن أن توصف بأنها (كاملة) ولذا فإن جميع هذه التفسيرات تعد (إضافية) ومن الممكن أن تتغير بتطور الملاحظة.
ويقول البروفيسور سوليفان بعد نقد وجهه إلى النظريات العلمية:
(هذا العرض للنظريات العلمية يثبت أن معنى (نظرية علمية صحيحة) أنها (فروض عملية ناجحة) Successful Working Hypothesis ، ومن الممكن تماما أن يكون سائر النظريات العلمية باطلا ؛ ذلك أن النظريات التي نعتبرها اليوم (حقيقة) ليست إلا (قياسا على وسائلنا المحدودة للملاحظة) ولاتزال قضية الحقيقة في عالم العلم (قضية عملية نفعية Pragmatic Affair).(44)
* * *
ولا يزال العلماء بعد هذا يعتبرون أن الفرض الذي يفسر ملاحظاتهم لا يقل في قيمته عن (الحقيقة الملحوظة) نفسها فهم لا يستطيعون أن يقولوا: إن الحقائق الملحوظة هي وحدها ( العلم) ، وإن ما سواها من النظريات الشارحة لا تدخل في نطاق (العلم) لأنها غير ملحوظة . . والحق أن هذا هو ما نسميه (الإيمان بالغيب) وهو بالنسبة إلى المؤمنين ليس سوى الإيمان بحقائق غير ملحوظة فهو ليس بعقيدة عمياء وإنما هو خير تفسير للحقائق التي يشاهدها العلماء . .
* * *
وكما رفض العلماء نظرية الضوء التي قدمها نيوتن وتعرف باسم Corpuscular Theory of light لأنها لم تنجح في تفسير مظاهر حديثة للضوء ؛ فإننا نرفض أفكار الفلاسفة الملحدين لأنها فشلت في تفسير مظاهر الطبيعة.
إن مأخذ حقائق الدين هو نفس المأخذ الذي يستقي منه العلم الحديث ملاحظاته لكي يثبت نظرية علمية. ولقد انتهينا بعد دراسة الحقائق الملحوظة إلى أن تفسير الدين للطبيعة هو عين الحق حتى إن هذا التفسير لم يتغير ولن يتغير على مر الدهور على حين أن كل نظرية صاغها الإنسان منذ قرن أو أكثر أو أقل ، قد رفضت أو أصبحت موضع شك الآن.
وإن صدق الدين ليتجلى بعد كل خطوة نخطوها في الملاحظة حتى ليصبح كل كشف علمي جديد تصديقا لحقائق الدين!
ولسوف نطالع أفكار الدين من هذه الناحية في الأبواب التالية.

* * *

0 التعليقات:

إرسال تعليق